زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى الجزائر: قراءة نقدية في التوقيت والأبعاد الاستراتيجية
في لحظة إقليمية دقيقة، وعلى وقع أزمات داخلية خانقة تعصف بلبنان، يبدأ الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون زيارة رسمية إلى الجزائر يومي 29 و30 يوليو 2025، بدعوة من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون. وتعد هذه الزيارة هي الأولى لعون منذ توليه رئاسة الجمهورية، محمّلة بدلالات تتجاوز الشكل الدبلوماسي إلى أبعاد سياسية واستراتيجية عميقة.
أو الا: توقيت الزيارة – ما بين الرمزية والحسابات الدقيقة
تأتي زيارة عون في لحظة دقيقة داخلياً وخارجياً، وتكمن دلالاتها في عدة نقاط:
- انقسام داخلي لبناني وغياب التوافق
لبنان يعيش حالة انسداد سياسي منذ سنوات، مع تراجع فعالية المؤسسات الدستورية، وانقسام النخبة السياسية حول هوية الرئيس الذي يمكن أن يحظى بالإجماع. ورغم أن عون تم انتخابه مؤخرًا، إلا أن شرعيته لا تزال موضع اختبار من قبل بعض القوى، ما يجعل تحركاته الخارجية أداة لتثبيت صورته رئيسًا فاعلًا ومقبولًا. - تهدئة إقليمية مؤقتة
الزيارة تأتي في ظل هدنة إقليمية هشّة بعد تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية اللبنانية، واحتدام الوضع في غزة وإيران. وقد اختار عون هذا التوقيت بعناية، في لحظة تسمح بتركيز الجهد على الدبلوماسية الناعمة بدل الانشغال بمواجهة عسكرية. - تعاظم الدور الجزائري عربياً
الجزائر بدورها تسعى إلى استعادة دورها التاريخي كفاعل عربي مستقل، بعيدًاً عن المحاور الخليجية أو التركية أو الإيرانية. اختيار الجزائر كمحطة أولى لرئيس لبناني يحمل خلفية عسكرية ليس صدفة، بل يحمل رسالة من الطرفين: "نحن خارج حسابات المحاور التقليدية."
ثان ايا: الأبعاد السياسية والاستراتيجية للزيارة
- تعزيز صورة عون دولياً
كرئيس من خلفية عسكرية، يدرك جوزيف عون أن السياسة الخارجية أداة لصناعة الشرعية. وزيارته للجزائر — دولة ذات ثقل رمزي وتاريخي في العالم العربي — تمنحه فرصة لتقديم نفسه كشخصية متزنة غير مرتهنة، وقادرة على الانفتاح على عواصم مختلفة بعيدًاً عن الاستقطاب. - مأسسة العلاقات اللبنانية – الجزائرية
لطالما كانت العلاقات الجزائرية – اللبنانية ودية ولكن غير مفعّلة. هذه الزيارة تسعى إلى تفعيل الاتفاقيات القديمة، ودفع التعاون الأمني، والاقتصادي، وربما الثقافي، خاصة من خلال:- إنشاء أو إحياء مجلس أعمال مشترك.
- التباحث حول دعم الجيش اللبناني بوسائل تدريب أو لوجستيات.
- تبادل الدعم في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس الأمن.
- محاولة جزائرية لخلق توازن عربي جديد
الجزائر تتحرك منذ فترة لإعادة التموضع إقليمياً، من خلال دعم الدول المتصدعة عربياً (ليبيا، فلسطين، لبنان) ليس كفاعل مهيمن، بل كـ"حارس توازن". زيارة عون تدخل في هذا الإطار، وتمنح الجزائر دورًا دبلوماسياً قديمًا-جديدًاً طالما سعت إليه.
ثالثاا: نقد واقعي وحدود محتملة
- القدرة الاقتصادية المحدودة للجزائر قد لا تسمح بدعم مالي كبير للبنان، في وقت يرزح فيه الأخير تحت أزمة اقتصادية خانقة.
- غياب مؤسسات متابعة حقيقية بين البلدين قد يحوّل مخرجات الزيارة إلى وعود غير قابلة للتنفيذ ما لم ترُافق بإرادة تقنية وسياسية.
- البعد الرمزي الغالب: يخشى أن تظل هذه الزيارة في إطار "الدبلوماسية الرمزية"، دون أن تتُرجم إلى شراكات حقيقية تحُدث أثرًا ملموسًا لدى الشعبين.
أكثر من زيارة... أقل من تحالف؟
زيارة جوزيف عون إلى الجزائر تحمل في توقيتها وأجندتها رسائل واضحة إلى الداخل اللبناني وإلى الخارج العربي والدولي. إنها محاولة من الرئيس اللبناني لتثبيت صورته خارجياً، وتأكيد على أن الجزائر لا تزال تؤمن بدور عربي مستقل في ظل احتدام المحاور.
لكن السؤال الجوهري يبقى: هل ستترجم هذه الرمزية إلى نتائج ملموسة؟ أم أنها ستبقى حلقة جديدة من اللقاءات البروتوكولية التي لا تغُيرّ شيئاً في واقع عربي مأزوم؟
إيمان حسين
إرسال تعليق