من يملك إفريقيا؟ صراع الموارد والنفوذ في القارة الواعدة
في العقود الأخيرة، تحولت إفريقيا من قارة تنُظر إليها باعتبارها "عبئاً إنسانيًا" إلى مركز جذب استراتيجي للقوى الكبرى. فمواردها الهائلة، وسوقها الاستهلاكية الصاعدة، وموقعها الجغرافي الحيوي، جعلت منها ساحة تنافس اقتصادي محموم بين القوى التقليدية مثل الولايات المتحدة وأوروبا، والصاعدة مثل الصين وروسيا وتركيا.
فما الذي يجعل إفريقيا هدفاً لهذا التنافس؟ ومن يربح؟ ومن يخسر؟
و الا: لماذا إفريقيا؟ دوافع التنافس الاقتصادي
تمثل إفريقيا كنزًا استراتيجيًا لعدة أسباب:
- موارد طبيعية ضخمة (النفط، الغاز، الذهب، الكوبالت، الليثيوم).
- أراضٍ زراعية خصبة لم تسُتغل بعد.
- طاقة بشرية هائلة: أكثر من 60٪ من السكان دون سن الـ25.
- أسواق ناشئة بأكثر من 1.4 مليار نسمة.
- موقع جغرافي يربط أهم طرق التجارة الدولية.
تجمع هذه العوامل يجعل من إفريقيا رئة اقتصادية للعالم القادم، ما يفسر تسابق القوى العالمية نحوها.
الصين: لاعب اقتصادي بصمت واستراتيجية طويلة الأمد
تبنتّ الصين منذ أوائل الألفية سياسة توسعية تقوم على الاستثمار طويل الأمد، وبناء البنية التحتية، وتقديم القروض من دون شروط سياسية مباشرة.
أبرز أدواتها:
- مشروع "الحزام والطريق".
- القروض التنموية مقابل الموارد الطبيعية.
- إنشاء مناطق صناعية وتشغيلية خاصة في دول مثل إثيوبيا وكينيا.
لكنّ الانتقادات الموجهة إليها تزداد:
- فخ الديون: كما في زامبيا وسريلانكا.
- استخدام عمالة صينية بدل المحلية.
- ضعف نقل التكنولوجيا.
ومع ذلك، ما زالت الصين تحظى بقبول رسمي في العديد من دول إفريقيا، كونها لا تقُحم ملف حقوق الإنسان أو الديمقراطية في شراكاتها.
عادت الولايات المتحدة وأوروبا إلى إفريقيا بعد سنوات من التراجع، عبر برامج تنموية مثل:
- Prosper Africa الأمريكية
- Global Gateway الأوروبية
الهدف هو منافسة الصين من خلال:
- تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
- دعم القطاع الخاص المحلي.
- التركيز على المناخ والديمقراطية والحكم الرشيد.
لكن هذه العودة تقُابل بشكوك في الشارع الإفريقي، إذ ينُظر إليها على أنها محاولة متأخرة للحفاظ على النفوذ التقليدي.
روسيا وتركيا: صعود استراتيجي بدوافع سياسية واقتصادية
- روسيا تعزز حضورها في مجالات الطاقة والتعدين، وتوقع اتفاقيات عسكرية وأمنية.
- تركيا تركّز على مشاريع البناء، الخدمات، والتعليم، وتستثمر في الخطاب الثقافي والديني لتوسيع نفوذها الناعم.
هاتان القوتان لا تنافسان الغرب اقتصادياً فقط، بل تقدمّان نفسيهما كبديل سياسي وأيديولوجي.
تنافس لا يخلو من آثار جانبية
هذا التنافس الاقتصادي على إفريقيا ينُتج آثارًا مزدوجة:
- إيجاب ايا: تنوّع في العروض الاستثمارية، تحسين البنية التحتية، انفتاح على أسواق عالمية.
- سلب ايا: تفاقم التبعية، تآكل السيادة الاقتصادية، ضعف التكامل الإفريقي.
تبُرم صفقات كثيرة بمنطق المصالح السياسية قصيرة الأجل، لا وفق رؤية تنموية طويلة الأمد.
الجزائر: بين الانفتاح والحذر
الجزائر تمُثل نموذجًا لدولة إفريقية تحاول التموقع بحذر:
- شراكات مع الصين في البنى التحتية.
- تعاون مع روسيا في الطاقة والدفاع.
- انفتاح تدريجي على أوروبا في مشاريع الهيدروجين الأخضر.
تحاول الجزائر الحفاظ على الاستقلالية الاستراتيجية، دون الارتهان لأي محور.
إفريقيا ليست مجرد "ضحية" للتنافس الاقتصادي، بل هي فاعل يجب أن يدُرك قوته التفاوضية. لكن دون حكامة رشيدة، وتكامل اقتصادي قاري، ونخب سياسية واعية، ستظل القارة أرضًا خصبة للاستغلال الخارجي بدل أن تكون قوة اقتصادية صاعدة.
المعركة في إفريقيا ليست فقط حول من يستثمر أكثر، بل حول من يتحكم في مسار التنمية ولمصلحة من تسُتغل الثروة.
إيمان حسين
إرسال تعليق