آخر الأخبار

الصحافة الثقافية بين التخصص والتسليع

الصحافة الثقافية بين التخصص والتسليع

لطالما شكلت الصحافة الثقافية مساحة للنقاش الجاد، وتوثيق التحولات الفكرية والفنية، وتعزيز الذائقة العامة. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا لافتاً في هذا المجال، حيث تراجعت الصحافة الثقافية الجادة لصالح محتوى سريع وسطحي يلاحق "الترند" ويخضع لمنطق السوق.

فهل فقدت الصحافة الثقافية دورها التنويري؟ أم أنها بصدد إعادة تشكيل نفسها في عصر السرعة والتسليع؟

التخصص الثقافي: دور المثقف والوعي

الصحافة الثقافية الكلاسيكية كانت تقوم على تحليل عميق للفنون، الكتب، المسرح، السينما، والفكر، وكان يقودها صحفيون مثقفون، بل "نقُاد" لهم موقف ورؤية. كانت الثقافة تعُالج كمسألة مركزية في الشأن العام، وليست ترفاً هامشيًا.

في هذا الإطار، لعبت مجلات مثل الدوحة، الفكر العربي المعاصر، أو ملحق النهار الثقافي، دورًا في تشكيل الوعي العربي، بعيدًاً عن الإثارة أو التسويق.

التسليع: حين تصبح الثقافة "منتجًا رقميًا"

اليوم، مع صعود المنصات الرقمية، أصبح التعامل مع الثقافة يخضع لقواعد النقرات والمشاهدات.

أغلب المحتوى الثقافي الحالي لا يركز على المضمون، بل على الشكل:

  • عناوين جذابة بلا عمق
  • مراجعات كتب لا تتجاوز الخمس دقائق
  • أخبار فنية تسويقية بدل النقد الفني

أدى ذلك إلى اختفاء الصحفي الثقافي المتخصص، وظهور "صانعي محتوى" يتعاملون مع الثقافة كسلعة للعرض.

بين القيم السوقية والرسالة الثقافية:

هذا التحول لا يعني بالضرورة موت الصحافة الثقافية، بل يعكس تحدياً جديداً:

كيف يمكن التوفيق بين الوصول الجماهيري والحفاظ على العمق الثقافي؟ كيف نعُيد تعريف الثقافة كحاجة يومية، دون تفريغها من معناها؟

الجواب يكمن في دمج الأدوات الرقمية، فيديو، بودكاست، إنفوغرافيك، مع رؤية تحريرية ثقافية ناقدة، تضع الذوق والوعي في صلب الأولويات.

الصحافة الثقافية تقف اليوم بين طريقين: إما أن تنجرف في تسليع المعرفة، أو أن تعيد ابتكار نفسها بما يضمن بقائها كصوتٍ نقدي وثقافي مستقل.

وفي زمن الضجيج، تظل الكلمة العميقة مقاومة.

إيمان حسين

Post a Comment

أحدث أقدم